الجداريات الملونة بالوادي الجديد تبدو وكأن الفنان قد انتهى من رسمها هذا الصباح؛ فهي تحتفظ ببريقها رغم مرور آلاف السنين على خطوطها الأولى التي رسمها إنسان ما قبل التاريخ في قلب الصحراء، لتعكس عبقرية مصرية قديمة في فنون الرسم والتصوير وتوثيق تفاصيل الحياة اليومية والعقائد الدينية الراسخة.
بدايات الجداريات الملونة بالوادي الجديد في كهف السباحين
تعتبر هضبة الجلف الكبير موطنا لأقدم هذه الإبداعات التي عثر عليها المستكشف المجري لازلو ألماسي في ثلاثينيات القرن الماضي؛ حيث يضم كهف السباحين رسومات تعود إلى ثمانية آلاف عام مضت؛ وتظهر هذه اللوحات الطبيعية مهارة إنسان العصر الحجري الحديث في استخدام الألوان الثابتة لوصف أنشطته، وتنتشر هذه الرسومات الصخرية في مواقع متعددة مثل صخرة الزرافة؛ حيث نجد تشكيلات فنية تضم الماشية ومجموعات من الرماة وشخصيات نسائية، مما يقدم سجلا بصريا نادرا للحياة البشرية قبل تشكل الحضارات المركزية الكبرى؛ وهذه المواقع لا تزال تحتفظ بأسرار غامضة؛ نظرا لأن مساحات واسعة منها لم تخضع بعد للبحث الأثري الكافي والممنهج.
تطور الجداريات الملونة بالوادي الجديد عبر العصور
لم يتوقف الإبداع عند العصور الحجرية؛ بل امتد تدريجيا ليمزج بين الحضارة الفرعونية والرومانية؛ ويتجلى هذا بوضوح في مقابر المزوقة التي تقع بالقرب من قرية القصر بالداخلة؛ وتتميز هذه المقابر بخصائص فنية فريدة تشمل ما يلي:
- استخدام الأكاسيد المعدنية الطبيعية لضمان ثبات الألوان لقرون طويلة.
- اعتماد زلال البيض كمادة وسيطة ومثبتة للأصباغ على الجدران.
- دمج الرموز الدينية المصرية القديمة مع العناصر الجمالية الرومانية.
- تصوير الأبراج السماوية واستعراض مهارات الفلك والطب القديم.
- توثيق مواسم حصاد القمح والأنشطة الزراعية التي ازدهرت في الواحات.
تقنيات بناء الجداريات الملونة بالوادي الجديد وقيمتها
| الموقع الأثري | التفاصيل الفنية والزمنية |
|---|---|
| كهف السباحين | رسومات من العصر الحجري الحديث قبل 8000 عام. |
| مقابر المزوقة | لوحات تجمع الفن الفرعوني والروماني بالقرن الثاني الميلادي. |
| جبانة البجوات | أيقونات دينية وقصص تاريخية من العصر القبطي. |
تكتسب الجداريات الملونة بالوادي الجديد قيمة إضافية في منطقة البجوات الأثرية؛ حيث تظهر الصور والأيقونات التاريخية مثل قصة آدم وحواء وسفينة نوح؛ وقد استخدم الفنانون طبقات من الجص لتحضير الأسطح قبل الرسم؛ مما ساعد في بقاء الألوان زاهية ومنعشة للعين حتى يومنا هذا، وتكشف هذه الأعمال عن انتقال الثقافات وتداخل اللغات؛ إذ نجد مخربشات وكتابات باللغة العربية واليونانية والقبطية تزين جدران المقابر؛ مما يؤكد أن الديار المصرية كانت دوما ملتقى للحضارات العالمية، وبين جدران مزار السلام وصور القديسين؛ تظل هذه النقوش شاهدا حيا على حقب زمنية متلاحقة تركت بصمتها فوق الرمال.
تعد الجداريات الملونة بالوادي الجديد كنزا سياحيا وثقافيا يروي حكاية الاستقرار البشري في واحات مصر البعيدة؛ فهي جسر يربط بين فنون ما قبل التاريخ وبين العصور الكلاسيكية، وتؤكد أن الموهبة المصرية في تطويع الألوان والخامات الطبيعية بدأت منذ اللحظة التي وطأت فيها قدم الإنسان أرض الوادي واستبصر جمال طبيعتها الخالدة.