تخطي إلى المحتوى الرئيسي
إيه القصه؟

صالح شبرق: رحيل رجل التعليم الذي بنى العقول قبل أن يبني المدارس.

صالح شبرق: رحيل رجل التعليم الذي بنى العقول قبل أن يبني المدارس.
A A

تُعد مسيرة صالح شبرق في التعليم والفن رحلة استثنائية امتدت لثلاثة عقود، حيث ترجّل هذا الفارس المبدع عن صهوة التعليم ليترك خلفه إرثًا غنيًا يتردد صداه في الأوساط التربوية والفنية والإعلامية السعودية، فلم يكن ختامه لمشواره التعليمي مجرد تقاعد روتيني، بل كان بمثابة توقيع على لوحة فنية بديعة رسمها بعطاء لا ينضب وشغف حقيقي.

كيف أثرت مسيرة صالح شبرق في التعليم الفني على أجيال كاملة؟

على مدار ثلاثين عامًا، كرس صالح شبرق حياته المهنية لغرس مفهوم عميق للفن في نفوس طلابه، فلم يكن الفن في فصوله مجرد مادة دراسية أو ترف بصري، بل كان لغة راقية للتعبير عن الحياة وبناء الوعي، ومن خلال منصبه كرئيس لقسم التربية الفنية في مكتب التعليم بالنسيم، نجح في تحقيق معادلة فريدة تجمع بين الدقة الأكاديمية وحساسية الفنان، حيث آمن بأن مهمة المعلم الحقيقي لا تتوقف عند حدود نقل المهارات التقنية، بل تمتد لتشعل شرارة الإبداع الكامنة في أعماق كل متعلم، لقد حول حصص الرسم إلى منصات لاكتشاف المواهب، وجعل من الألوان أدوات يعبر بها الطلاب عن ذواتهم وأحلامهم، لتكتمل بذلك أبعاد مسيرة صالح شبرق التعليمية التي ركزت على بناء الإنسان قبل الفنان.

صالح شبرق والفن التشكيلي السعودي: بصمات فنان وناقد

لم تقتصر مسيرة صالح شبرق في التعليم والفن على الفصول الدراسية، بل امتد تأثيره ليكون فاعلًا ومؤثرًا في المشهد التشكيلي السعودي، فقد عرفته قاعات المعارض وورش العمل كفنان بارع وناقد فني حصيف، تميزت أعماله الفنية بقدرتها على المزج بين صلابة الفكرة ودفء اللون، مع قدرة فائقة على التقاط روح المكان السعودي وتجسيد ملامح الإنسان البسيط بتفاصيل تنبض بالحياة، لقد كان فنانًا يرى ما هو أبعد من المألوف، ويحول المشاهد العادية إلى لوحات بصرية عميقة، فمسيرة صالح شبرق الفنية لم تكن مجرد تجربة شخصية، بل كانت انعكاسًا صادقًا لبيئته ومجتمعه، تاركًا بصمة واضحة في تاريخ الفن التشكيلي المعاصر في المملكة.

أبعاد أخرى في مسيرة صالح شبرق: من الإعلام إلى التأثير الإنساني

شكل الإعلام رافدًا مهمًا في مسيرة صالح شبرق، حيث كان صوته النقدي حاضرًا بقوة من خلال إشرافه على الصفحة التشكيلية في صحيفة عكاظ، فمن خلال هذه المنصة، منح الفن مساحته التي يستحقها، وقدمه للجمهور بلغة سلسة تجمع بين العمق الأكاديمي والبساطة في الطرح، وكان قلمه معروفًا بصدقه وجرأته في نقد الرداءة، وفي الوقت نفسه بإنسانيته التي لا تقصي المبدعين، لكن التأثير الأكبر الذي تركه شبرق يكمن في شخصيته، فقد كان معلمًا للروح قبل أن يكون معلمًا للفن، يفيض دفئًا وتواضعًا، مؤمنًا بأن الأخلاق هي جوهر الفن الحقيقي، وهكذا ترك في قلوب زملائه وطلابه أثرًا لا يمحى، ليصبح اسمه مرادفًا للمبدع الذي يجمع بين الموهبة والرسالة.

إن الشهادة الجامعية التي حصل عليها في التربية الفنية لم تكن بالنسبة له مجرد وثيقة، بل كانت عقد مسؤولية حمله بإخلاص طوال حياته، وعندما انتقل للعمل كمشرف تربوي، لم يمارس دوره كرقيب إداري، بل كراعٍ للمواهب وموجه للبصائر، فالفنان الحقيقي لا يتقاعد أبدًا، والجمال لا يحال إلى المعاش، وسيظل عطاؤه الفكري والفني مستمرًا، فهو المبدع الذي أمضى حياته يعلم الأجيال فن الرسم، ثم رسم هو نفسه لوحة خالدة اسمها الحياة.

مشاركة:
زياد هاني
كتبها

زياد هاني

كاتب صحفي يهتم بتقديم الأخبار والتقارير بشكل مبسط وواضح، مع متابعة مستمرة للتفاصيل وتقديم المعلومة للقارئ بصورة دقيقة وسريعة.

عرض جميع المقالات