جاءت تصريحات ترامب عن صاروخ بوريستنيك النووي لتقلل من أهمية التجربة الروسية الأخيرة، حيث وجه الرئيس الأمريكي انتقادات لاذعة لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، داعياً إياه للتركيز على إنهاء حربه في أوكرانيا بدلاً من استعراض القوة العسكرية، وهو ما يتناقض تماماً مع الإشادة الروسية بالصاروخ الذي وصفته موسكو بأنه “فريد من نوعه” وقادر على تغيير موازين القوى.
كيف قلل ترامب من أهمية تجربة صاروخ بوريستنيك النووي؟
لم تثر تجربة صاروخ بوريستنيك الروسي، الذي يُعرف أيضاً بتسمية حلف الناتو “SSC-X-9 Skyfall”، إعجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي سارع إلى التقليل من أهميتها الاستراتيجية، فخلال حديثه للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية، أكد ترامب أن الولايات المتحدة تمتلك قدرات ردع متفوقة تجعل مثل هذه التجارب بلا جدوى، مشيراً إلى أن روسيا تدرك جيداً وجود غواصة نووية أمريكية، وصفها بأنها الأفضل في العالم، تتمركز قبالة سواحلها مباشرة؛ مما يلغي الحاجة لصاروخ يقطع مسافة تزيد عن 8000 ميل للوصول إلى أهدافه، واعتبر أن هذا الوجود العسكري القريب هو الرسالة الأوضح التي لا تحتاج إلى تفسير، وأن تجربة صاروخ بوريستنيك لا تغير من حقيقة هذا الواقع.
تصريحات ترامب عن الصراع الأوكراني كرد على صاروخ بوريستنيك
استغل ترامب الفرصة لتحويل الأنظار عن القوة الصاروخية الروسية وتوجيهها نحو الأزمة الأوكرانية، معتبراً أن إعلان بوتين عن نجاح التجربة ليس مناسباً في ظل استمرار الحرب، فبدلاً من التركيز على تطوير أسلحة جديدة، يرى ترامب أن الأولوية القصوى لبوتين يجب أن تكون إنهاء الصراع الذي كان من المفترض أن يستغرق أسبوعاً واحداً فقط؛ لكنه الآن يقترب من عامه الرابع، وتُظهر تصريحات ترامب عن صاروخ بوريستنيك النووي بوضوح استراتيجيته في ربط أي استعراض للقوة الروسية بإخفاقاتها في أوكرانيا، محاولاً بذلك إضعاف الموقف الروسي على الساحة الدولية وتصوير قيادته على أنها تتخذ قرارات بعيدة عن الواقع.
جذور التوتر النووي وتصريحات ترامب وميدفيديف السابقة
يعود هذا التوتر إلى ما قبل الإعلان الأخير، ففي شهر أغسطس الماضي، كشف ترامب عن أنه أمر بنشر غواصتين نوويتين أمريكيتين في مناطق استراتيجية، وكان هذا التحرك رداً مباشراً على ما وصفه بـ”تصريحات استفزازية للغاية” من الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف حول القدرات النووية لروسيا، وقد أوضح ترامب موقفه آنذاك عبر منشور على منصة “تروث سوشيال”، مؤكداً أن نشر الغواصات جاء كرسالة تحذيرية في حال تجاوزت تلك التصريحات التي وصفها بالحمقاء والتحريضية حدودها، وهو ما يوضح أن المواجهة الحالية ليست سوى فصل جديد في حرب كلامية ونووية ممتدة بين الطرفين.
لم تمر تهديدات ترامب دون رد من الجانب الروسي، حيث رد ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، على مطالبة الرئيس الأمريكي له بـ”انتقاء كلماته وعدم دخوله منطقة خطرة جداً”، مذكراً إياه بمفهوم “اليد الميتة” النووية الروسية، وقد اعتبر ميدفيديف أن رد الفعل الغاضب لترامب يؤكد أن روسيا تسير على الطريق الصحيح، ففي منشور له على منصة “تليجرام”، أوضح وجهة نظره تجاه الموقف الأمريكي:
- اعتبر أن رد الفعل العصبي من رئيس الولايات المتحدة “الجبار” هو دليل على أن روسيا على صواب.
- ذكّر بأن ترامب نفسه هو من منع منصة “تروث” من العمل في روسيا.
- أشار إلى أن “اليد الميتة” قد تكون خطيرة للغاية، في تحذير مبطن من قدرة الردع النووي الروسي.
وبالنسبة لتحذير ترامب من الاقتراب من منطقة خطرة، سخر ميدفيديف من ذلك بأن دعاه لتذكر أفلامه المفضلة عن “الموتى الأحياء”، وكيف يمكن ليد ميتة غير موجودة في الطبيعة أن تكون فتاكة، وهو ما يعكس عمق الخلاف والثقة المتبادلة المنعدمة بين القوتين، وبهذا الصدد تتواصل حرب التصريحات التي تعكس رؤية كل طرف للقوة والردع في عالم متغير.
وهكذا، رأى ميدفيديف أن منشور ترامب الغاضب على منصة “تروث سوشيال” لم يكن سوى دليل إضافي على أن روسيا تسير في الاتجاه الصحيح الذي اختارته لنفسها، معتبراً التهديدات الأمريكية بمثابة اعتراف ضمني بقوة الموقف الروسي في هذا المشهد الجيوسياسي المعقد.