غازات الأبقار وأثرها على الاقتصاد والسياسة في العالم تثير جدلاً موسعًا بسبب الضرائب المقترحة للحد من انبعاثات الميثان المرتبطة بالثروة الحيوانية، خصوصًا في دول مثل الأرجنتين والدنمارك، حيث تتحول هذه القضية البيئية إلى معركة معقدة تشمل أبعادًا سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية تؤثر على قطاع حساس في هذه البلدان.
جدل الضرائب على غازات الأبقار بين الأرجنتين والقطاعات المعنية
في مقاطعة بوينيس آيرس بالأرجنتين، أثار اقتراح فرض ضريبة بيئية على غازات الأبقار المنبعثة جدلاً واسعًا، بدأ من البرلمان وامتد إلى الشارع، حيث تحول إلى قضية خلافية كبيرة بين الحكومة وقطاع تربية المواشي، الذي يعتبر أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، وخصوصًا في ظل الاعتماد الكبير على هذا القطاع في دعم الناتج المحلي وأنشطة التصدير.
قدمت النائبة لوسيا كلوج مبادرة تقضي بفرض ضريبة على الانبعاثات الناتجة عن غاز الميثان بهدف تقليص الغازات الدفيئة وتمويل مشروع لمعالجة النفايات، معتمدة على مبدأ تحمل المسؤولية عن الانبعاثات كما هو معمول به في صناعات أخرى، مؤكدة أن قطاع الثروة الحيوانية يجب أن يساهم في جهود مواجهة التغير المناخي، لكن الاقتراح قوبل برفض واسع من المزارعين واتحادات تربية المواشي التي اعتبرت الضريبة غير علمية وغير قابلة للتنفيذ، خصوصًا أنها قد تهدد ركائز اقتصادهم الوطني، مهددة بحدوث فوضى اجتماعية واقتصادية.
الآراء العلمية والاقتصادية حول ضريبة غازات الأبقار وأثرها على الاقتصاد الريفي
واجه مشروع ضريبة غازات الأبقار هجومًا حادًا من الباحث في نظم الإنتاج الحيواني إرنيستو فيجيليزو، الذي وضع رؤية نقدية ترتكز على ثلاث محاور رئيسية:
- المشكلة البيولوجية: حيث لا تشكل الأبقار سوى 15% فقط من إجمالي انبعاثات غاز الميثان عالميًا، بينما تأتي الأكبر من مصادر أخرى كالنفط ومكبات النفايات والمستنقعات، كما أن عمر الميثان في الجو لا يتجاوز 10 سنوات مقارنة بثاني أكسيد الكربون الذي يستمر مئات السنين، مما يقلل من أثر الأبقار البيئي.
- المشكلة الضريبية: إذ تضيف الضريبة الجديدة عبئًا ماليًا غير محسوب بدقة إلى سلسلة طويلة من الرسوم التي يعاني منها القطاع الزراعي، ويصف فيجيليزو حساب الميثان بوحدات مكافئ ثاني أكسيد الكربون بأنه يعتمد على أسس تقنية غير متينة.
- الخلفية السياسية والأيديولوجية: حيث يرى النقاد أن الضريبة مدفوعة جزئيًا باعتبارات سياسية تحكمها انتقادات لملكية الأرض والمواشي، مما يعطي المشروع طابعًا أيديولوجيًا أكثر منه بيئيًا.
إضافة إلى ذلك، يحذر خبراء الريف من الأثر الاجتاعي والاقتصادي الذي قد تتركه هذه الضريبة على الأسر الزراعية الصغيرة، خاصة في المناطق التي تصلح للزراعة بشكل محدود، مما قد يؤدي إلى نزوح كبير من الأقاليم الريفية إلى المدن، وإضعاف تنافسية قطاع اللحوم الذي يُعد من بين أكبر الجهات المصدرة في العالم.
الضرائب على غازات الأبقار في العالم بين التجربة الدنماركية والأوروبية
تصاعد الجدل العالمي حول الضرائب المفروضة على غازات الأبقار يظهر جليًا في التجربة الدنماركية التي أعلنت عن فرض أول ضريبة فعلية في العالم على انبعاثات الأبقار والخنازير بدءًا من عام 2030، حيث تهدف إلى تقليل الانبعاثات الدفيئة بنسبة 70% مع السعي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2045.
وبعد مفاوضات مطولة بين الحكومة والمزارعين والصناعات والنقابات، تم تحديد مبلغ 300 كرونة دانماركية (حوالي 40 يورو) لكل طن من ثاني أكسيد الكربون في 2030، ترتفع إلى 750 كرونة (100 يورو) عام 2035، مع خصم ضريبي 60% على الدخل ليصبح السعر الفعلي أقل في البداية.
| السنة | سعر الضريبة على الطن (كرونة) | السعر الفعلي بعد الخصم (كرونة) |
|---|---|---|
| 2030 | 300 | 120 |
| 2035 | 750 | 300 |
ينبعث من الأبقار الدنماركية نحو 6 أطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وتعتبر الزراعة المصدر الرئيسي بنسبة 32% من انبعاثات غاز الميثان في البلاد، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وعلى العكس، تخلت نيوزيلندا عن مشروع مشابه بسبب احتجاجات المزارعين وتغير الحكومة، بينما تتبع فرنسا وألمانيا سياسات مختلفة ترتكز على دعم تحسين تغذية الماشية واستخدام تقنيات الحد من الميثان، وليس فرض ضرائب مباشرة.
أما الدول الإسكندنافية كنرويج والسويد، فتعتمد نهجًا تحفيزيًا وتقنيًا للحد من الانبعاثات عن طريق دعم أنظمة جمع الغاز الحيواني وتحسين الرعاية البيئية للمراعي بدلًا من تطبيق ضرائب مباشرة على غازات الأبقار.
التوتر المستمر بشأن فرض ضريبة على غازات الأبقار يعكس تعقيد التوازن بين حماية البيئة وضمان استدامة القطاعات الاقتصادية الحيوية، مما يجعل هذه القضية من أكثر المواضيع البيئية والسياسية والشعبية إثارة للجدل عالميًا.
