خوارزميات “السوشيال ميديا”.. كيف أصبحت المحرك الرئيسي لأزمة الصحة النفسية الصامتة؟

خوارزميات “السوشيال ميديا”.. كيف أصبحت المحرك الرئيسي لأزمة الصحة النفسية الصامتة؟

إن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية أصبح واقعًا ملموسًا في عالمنا الرقمي؛ فبينما صُممت هذه المنصات لتعزيز التقارب والتفاعل، كشفت دراسات متزايدة عن وجهها الآخر الذي يرتبط بتزايد معدلات القلق والاكتئاب، حيث يعيد التفاعل المستمر مع الشاشات برمجة إدراكنا لذواتنا والعالم المحيط، مما يخلق دوامة من التوتر يصعب كسرها.

كيف يفاقم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية شعور المقارنة والقلق؟

يعد الشعور بالمقارنة الدائمة أحد أبرز المظاهر السلبية لهذه المنصات؛ حيث يتعرض المستخدم يوميًا لفيض من الصور والمنشورات التي تصور حيوات مثالية ومصقولة، مما يخلق تباينًا حادًا بين واقعه الشخصي وما يراه على الشاشة، وهذا يولّد لديه إحساسًا عميقًا بالنقص وعدم الإنجاز، حتى لو كانت حياته مستقرة بالفعل؛ وتؤكد الدراسات أن الأفراد الذين يقضون وقتًا أطول في التصفح هم الأكثر عرضة لمشاعر الحسد وتدني تقدير الذات، مما يغذي أعراض الاكتئاب، ويترافق هذا مع ظاهرة “الخوف من تفويت الفرصة” (FOMO)؛ وهي حالة من القلق المستمر بأن الآخرين يعيشون تجارب ممتعة بغيابك، مما يحول الرغبة في التفاعل إلى ضغط نفسي يضعف الثقة بالنفس ويعمق التوتر، وهذا يوضح مدى تعقيد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية.

التمرير الكئيب والتنمر الرقمي: الوجه المظلم لتأثير السوشيال ميديا

لم يعد استهلاك الأخبار مقتصرًا على أوقات معينة؛ بل أصبح يتدفق بلا انقطاع عبر هواتفنا، وغالبًا ما يكون محتواه سلبيًا، من الكوارث الطبيعية والأزمات السياسية إلى المآسي الإنسانية؛ وهذا التعرض الدائم لمحتوى مقلق يضع الدماغ في حالة تأهب قصوى، مما يرفع مستويات هرمون الكورتيزول ويؤدي إلى الإرهاق الذهني وفقدان الأمل، وهي ظاهرة أطلق عليها علماء النفس “التمرير الكئيب”، وفي سياق متصل، تجاوز التنمر حدوده المادية ليصبح خطرًا خفيًا في العالم الافتراضي؛ فبضغطة زر يمكن نشر إشاعة أو إهانة تنتشر كالنار في الهشيم، فلا يجد الضحية مهربًا من الأذى الذي يلاحقه في كل لحظة، ورغم أن هذا النوع من التنمر لا يترك ندوبًا جسدية، إلا أن أثره النفسي عميق، حيث يزيد من العزلة والقلق وقد يدفع إلى أفكار أكثر خطورة.

استراتيجيات للحد من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي السلبي على الصحة النفسية

الخبر السار هو أن الحل لا يكمن في الانعزال التام؛ بل في تبني استراتيجيات واعية لإدارة هذه الأدوات القوية، حيث أظهرت الأبحاث أن تقليص وقت الاستخدام اليومي إلى أقل من ساعة له انعكاسات إيجابية مباشرة على تحسين المزاج العام وجودة النوم ومستوى التركيز؛ كما أن الانخراط في أنشطة واقعية يعيد التوازن المفقود ويعزز الشعور بالانتماء الحقيقي بعيدًا عن المقارنات الرقمية، ولتحقيق ذلك يمكن اتباع خطوات بسيطة لكنها فعالة للغاية في تخفيف تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية.

  • تحديد أوقات ثابتة ومحددة لتصفح المنصات خلال اليوم.
  • إيقاف الإشعارات غير الضرورية لتقليل التشتت والإغراء المستمر.
  • إلغاء متابعة الحسابات التي تثير مشاعر سلبية أو شعورًا بالنقص.
  • ممارسة تقنيات التأمل والتنفس العميق لإعادة ضبط الإيقاع الذهني.
السلوك السلبي الشائع البديل الواعي المقترح
التمرير الكئيب واستهلاك الأخبار السلبية متابعة حسابات ملهمة تركز على الإيجابية والتطور الشخصي
المقارنة المستمرة بحياة الآخرين المصقولة التركيز على مسار النمو الشخصي وتوثيق الإنجازات الخاصة

إن العلاج يبدأ من الاستخدام الواعي لهذه الأدوات، فهي ليست عدوًا بحد ذاتها، بل سلاح ذو حدين يتطلب انضباطًا ووعيًا، فبين منشور يرفع المعنويات وآخر يثير القلق، يكمن التحدي الحقيقي في قدرتنا على التحكم في الشاشة بدلًا من أن تتحكم هي فينا، وهذا هو مفتاح تخفيف تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية.

كاتبة صحفية متخصصة في مجال التكنولوجيا، تتابع أحدث الابتكارات الرقمية وتبسط المعلومات للقارئ بأسلوب واضح وسهل الفهم.