من النقاء إلى السلطة.. كيف أحيا المتحف الكبير رمزية اللون الأبيض عند الفراعنة؟

من النقاء إلى السلطة.. كيف أحيا المتحف الكبير رمزية اللون الأبيض عند الفراعنة؟

تتجلى دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية كجزء أصيل من لغتها البصرية العميقة؛ وهو ما بدا واضحًا في مشهد افتتاح المتحف المصري الكبير الذي لم يكن مجرد احتفال عالمي؛ بل لوحة فنية استدعت روح مصر القديمة، حيث سيطر اللون الأبيض على إطلالات المشاركين كرسالة رمزية تؤكد أن مصر الحديثة تستلهم عظمة إرثها الروحي، وتعيد إحياء لغة الفراعنة البصرية لتضيء بها سماء الحاضر.

كان اللون الأبيض، المعروف باسم “حدج” في اللغة المصرية القديمة، يتجاوز كونه مجرد خيار جمالي؛ ليصبح رمزًا للقوة الروحية والنقاء الإلهي والمكانة الرفيعة، حيث ارتبط بالمعبودات والملوك والكهنة وكل ما هو مقدس وسامٍ في تلك الحضارة العريقة، ولم يكن اختيار هذا اللون في حفل الافتتاح مجرد صدفة؛ بل هو حوار بصري يربط بين عظمة الماضي وتطلعات المستقبل، ويستعرض أمام العالم كيف أن دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية لا تزال حية وقادرة على إلهام الفن والثقافة، فقد حمل هذا اللون على عاتقه مهمة نقل إحساس بالفخامة والجلال الذي يليق بحدث تاريخي ضخم كافتتاح هذا الصرح الثقافي العالمي.

ما هي أبرز دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية من النقاء إلى القداسة؟

تعتبر القداسة والنقاء الروحي من أهم دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية؛ حيث ربط المصري القديم هذا اللون بفكرة البداية والنور والصفاء الداخلي، وكان استخدامه في الطقوس الاحتفالية والمناسبات الدينية يعكس رغبة في استقبال حياة جديدة أو مرحلة مباركة، وهذا تمامًا ما حمله افتتاح المتحف من رسالة رمزية حول انطلاق عصر ثقافي جديد يستمد نوره من عمق التاريخ، كما اعتبر المصريون القدماء الأبيض لونًا مقدسًا بحد ذاته؛ فكان يرمز إلى الطهارة الروحية التي لا غنى عنها في الشعائر الدينية وتزيين المقدسات والمعابد، وظهوره في مشهد الافتتاح المهيب يبرهن على احترام قدسية المكان وأهمية الحدث التاريخي الذي يمثله المتحف كمعبد حديث للثقافة المصرية، ومن أبرز هذه الدلالات الروحية ما يلي:

  • النقاء الروحي والصفاء الداخلي.
  • النور المرتبط بالخلق والبدايات الجديدة.
  • الطهارة المطلوبة في الطقوس والشعائر الدينية.
  • رمزية البعث والحياة الأبدية في العالم الآخر.

إن فهم هذه الجوانب يكشف كيف أن دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية لم تكن سطحية؛ بل كانت متجذرة في نظرتهم للحياة والكون والخلود.

التاج الأبيض والمكانة الرفيعة: كيف عكست دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية السلطة؟

ارتبط اللون الأبيض ارتباطًا وثيقًا بالسلطة والمكانة الاجتماعية الرفيعة؛ ولعل أبرز تجسيد لذلك هو التاج الأبيض المعروف باسم “حدجت” الذي كان يمثل رمزًا حصريًا لملك مصر العليا، ودلالة قاطعة على الحكم والقوة والسيادة، وعندما توحدت مصر العليا والسفلى؛ تم دمج التاج الأبيض مع التاج الأحمر في التاج المزدوج “سخمتي” ليظل الأبيض مكونًا أساسيًا لرمزية الحكم المطلق، ولم تقتصر هذه المكانة على الملوك فقط؛ بل امتدت لتشمل ملابس النبلاء ورجال الدولة والكهنة، حيث كان الكتان الأبيض الفاخر علامة للتميز الاجتماعي والحضاري، وكان الكهنة يرتدونه بشكل خاص لأنه لون يليق بالطقوس المقدسة ويعكس طهرهم ونقاءهم أمام المعبودات، واختيار الفنانين في الافتتاح لهذا اللون يعيد إحياء روح الملكية والعظمة المصرية بأسلوب عصري؛ في رسالة مضمرة عن قوة الدولة المصرية عبر الزمن، وتوضح دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية مدى عمق الارتباط بين الرمزية البصرية والهياكل الاجتماعية والسياسية.

الرمز الأبيض السياق والاستخدام
تاج حدجت رمز حكم ملوك مصر العليا، ودليل السيادة والقوة.
ملابس الكتان البيضاء خاصة بالملوك والكهنة والنبلاء كدليل على المكانة والنقاء.

أبعد من الرمزية: استخدامات اللون الأبيض في الفن المصري القديم

لم تقتصر دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية على الجانب الرمزي فقط؛ بل كانت جزءًا لا يتجزأ من التعبير الفني والجمالي، فقد استخدم الفنان المصري القديم الصبغة البيضاء، المستخرجة غالبًا من الجبس أو الحجر الجيري، لتزيين التماثيل والنقوش في المقابر والمعابد، وكان الهدف من ذلك هو الدلالة على الوقار والاحترام العميق للشخصيات المرموقة أو المقدسة التي يتم تصويرها، ومنحها مظهرًا من السكينة والخلود، فعندما كان يتم تلوين بشرة التماثيل النسائية باللون الأبيض أو الأصفر الشاحب؛ كان ذلك يرمز إلى مكانتهن الرفيعة ونمط حياتهن الذي يبعدهن عن أعمال الحقول الشاقة تحت أشعة الشمس، وهكذا يظهر الأبيض اليوم في حفل الافتتاح كحاضن للجمال والرقي في سرد بصري حديث يليق بعظمة المتحف؛ ليثبت أن جماليات الفن الفرعوني لا تزال مصدر إلهام لا ينضب.

إن استحضار هذا الإرث البصري في حدث عالمي بهذا الحجم يؤكد أن لغة الفن والرمزية المصرية القديمة قادرة على عبور الزمن والتواصل مع العالم أجمع؛ لتصبح دلالات اللون الأبيض في الحضارة الفرعونية شاهدًا على حضارة لم تمت ولكنها تتجدد باستمرار.

كاتبة صحفية تهتم بمتابعة الأخبار وصياغة تقارير خفيفة وواضحة تقدم المعلومة للقارئ بسرعة وبأسلوب جذاب.