التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين أصبح واقعًا مثيرًا للقلق في عالمنا الرقمي؛ فبينما توفر هذه المنصات مساحات رائعة للتعبير عن الذات والتواصل بين الشباب، إلا أنها تحمل في طياتها مجموعة من المخاطر الكامنة التي تثير تساؤلات جدية حول عواقبها النفسية والسلوكية، وهو ما أكدته تقارير صحية متخصصة مثل تلك التي نشرها موقع “هيلث شوتس” الإلكتروني.
إن الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي قد يفتح الباب أمام الشعور بالقلق العميق والاكتئاب والوحدة؛ فالتعرض المستمر لصور وحياة الآخرين المنسقة بعناية والمثالية ظاهريًا يؤدي حتمًا إلى تآكل احترام الذات وتشويه صورة الجسم، كما توضح أخصائية علم النفس والصحة النفسية أنو جويل، ويشعر المراهقون أن صور ومقاطع فيديو أصدقائهم تبدو دائمًا سعيدة وخالية من أي مشاكل، مما يغرس فيهم مشاعر النقص وعدم الأمان، وهذا يفاقم من مشاكل الصحة النفسية، وهو ما دعمته دراسة نُشرت في مجلة كيوريوس، حيث أشارت إلى أن نظرية السلوك البديل تفسر هذا الأمر بكون الأشخاص الذين يقضون وقتًا أطول في سلوكيات خاملة مثل تصفح السوشيال ميديا لديهم وقت أقل للتفاعل الاجتماعي الحقيقي وجهًا لوجه، مما يترك بصمة سلبية واضحة على نموهم النفسي والاجتماعي.
إدمان الشاشات والصورة الجسدية: وجه آخر من التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي
لا يقتصر الخطر على الجانب النفسي فحسب، بل يمتد ليشمل الإدمان السلوكي ومخاوف الخصوصية؛ إذ يمكن أن تسبب الطبيعة التفاعلية لهذه المنصات حالة من الإدمان، مما يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في الإنتاجية والتركيز، وهو ما أكدته دراسة في مجلة “فرونتيرز إن سايكايتري” مشيرة إلى أن هذا الاستخدام المفرط يؤثر سلبًا على الأداء الدراسي للمراهقين وسلوكهم الاجتماعي، وفي الوقت نفسه، فإن مشاركة المعلومات الشخصية بكثافة عبر الإنترنت قد تُعرض المراهقين لمخاطر حقيقية مثل سرقة الهوية وغيرها من التهديدات الأمنية التي تجعل من فهم التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين أمرًا ضروريًا لحمايتهم.
| الخطر النفسي | التأثير المباشر على المراهق |
|---|---|
| القلق والاكتئاب | الشعور بالوحدة والنقص نتيجة المقارنات المستمرة |
| تدني احترام الذات | تأثر الصورة الذاتية سلبًا بسبب معايير الجمال غير الواقعية |
| الإدمان السلوكي | انخفاض التركيز وتدهور الأداء الدراسي والاجتماعي |
وتضيف غويل أن التعرض لمعايير الجمال غير الواقعية التي تروج لها المنصات يمكن أن يؤثر سلبًا على صورة الجسم لدى المراهق واحترامه لذاته؛ فالاستخدام المفرط قد يساهم بشكل مباشر في الإصابة باضطراب تشوه صورة الجسم، وهذا ليس مجرد افتراض، حيث تشير الجمعية الأمريكية لعلم النفس إلى دراسة مهمة أظهرت أن المراهقين الذين قللوا من استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 50% لبضعة أسابيع فقط لاحظوا تحسنًا ملحوظًا في نظرتهم إلى مظهرهم ووزنهم، مما يبرهن على العلاقة الوثيقة بين وقت الشاشة والصورة الذاتية، ويؤكد على حجم التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين.
استراتيجيات عملية للحد من التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين
إن مواجهة التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين تتطلب تبني مجموعة من العادات والسلوكيات الواعية التي تعيد التوازن إلى حياتهم الرقمية؛ فالأمر لا يتعلق بالانقطاع التام بقدر ما يتعلق بالاستخدام الذكي والمنظم، ويمكن تحقيق ذلك عبر تطبيق عدد من النصائح العملية التي تساهم في بناء علاقة صحية مع هذه المنصات، وتساعد في تجنب الوقوع في فخ المقارنات والإدمان، وهذه الاستراتيجيات تبدأ من الوعي الذاتي وتمتد إلى التحكم الفعلي في الأدوات الرقمية المتاحة.
- وضع حدود للاستخدام: تحديد وقت معين يوميًا لتصفح المنصات يعد الخطوة الأولى نحو الاستخدام الآمن والمسؤول.
- مراقبة الوقت: من المفيد متابعة الوقت الذي تقضيه على هذه المنصات باستخدام تطبيقات مخصصة يمكنها إرسال تذكيرات لك للخروج، أو ببساطة عبر ضبط مؤقت وإغلاق التطبيق عند انتهاء الوقت المحدد.
- تعطيل الإشعارات: تعتبر الإشعارات مصممة لجذب انتباهك باستمرار؛ لذا فإن إيقافها يقلل من إغراء فتح التطبيقات بشكل متكرر دون هدف.
- تخصيص أوقات خالية: حدد جدولًا زمنيًا لنفسك، وخصص أوقاتًا محددة خالية تمامًا من استخدام الهاتف، مما يساعد على الحد من الاستخدام وتقليل وقت الشاشة الإجمالي.
- فهم آلية العمل: من الأهمية بمكان إدراك أن هذه المنصات تعمل وفق خوارزميات تعرض لك المحتوى الذي تتفاعل معه؛ لذا يجب التركيز على الحقائق وليس كل ما يظهر.
إن فهم طبيعة المحتوى الذي يتم استهلاكه هو جزء حيوي من تقليل التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين؛ فيجب أن يدرك المستخدم أن المؤثرين والمشاهير يتقاضون أجورًا للترويج لمنتجات معينة، وأن الفلاتر تغير مظهر الأشخاص ليبدوا مثاليين، وأن الكثيرين يشاركون لحظاتهم السعيدة فقط، وهذا لا يعني أن حياتهم خالية من المشاكل، لذا فإن اتخاذ القرارات بحكمة وعدم تصديق كل ما يتم رؤيته على الإنترنت هو دفاع أساسي ضد الآثار النفسية السلبية.
يصبح الوعي بهذه الديناميكيات هو المفتاح لتحويل تجربة وسائل التواصل الاجتماعي من مصدر للضغط إلى أداة للتواصل الإيجابي، وهذا يتطلب مجهودًا واعيًا لتصفية المحتوى والتركيز على ما يضيف قيمة حقيقية للحياة بدلاً من الانجراف وراء المظاهر الزائفة التي لا تعكس الواقع.
