ما هو الأرق المتناقض وأسبابه وعلاجه، وهل شعرت يومًا أنك قضيت الليلة مستيقظًا بينما يؤكد من حولك أنك كنت نائمًا بعمق، لتستيقظ في الصباح وأنت تشعر بإرهاق شديد وكأنك لم تحصل على أي قسط من الراحة، هذه التجربة المحيرة والمزعجة ليست مجرد شعور عابر؛ بل هي حالة طبية حقيقية تُعرف باسم “الأرق المتناقض”، والتي تضع المصابين بها في حلقة مفرغة من التعب.
ما هو الأرق المتناقض وكيف تم اكتشافه علمياً؟
يُعرَّف الأرق المتناقض بأنه أحد الأنواع الفرعية للأرق، حيث يشكو المصابون به من قلة النوم لساعات معدودة ليلاً والشعور بعدم الراحة، بينما تُظهر القياسات العلمية في مختبرات النوم أنهم ينامون لفترات أطول بكثير، وأحيانًا يحصلون على الكمية الطبيعية من النوم، وتتجسد هذه الحالة في تجربة الباحثة هانا سكوت من جامعة فلندرز، التي لاحظت أثناء دراسة نوم إحدى المتطوعات أن تخطيط كهربية الدماغ (EEG) أظهر دخولها في نوم عميق بعد 30 دقيقة فقط، لكن عندما استيقظت المتطوعة، أصرت تمامًا على أنها لم تتمكن من النوم للحظة واحدة، مما يوضح التناقض الصارخ بين الإدراك الذاتي والواقع الفسيولوجي، وهو جوهر الأرق المتناقض.
إن تاريخ هذه الحالة يعود إلى عام 1959، حين وصف أطباء فرنسيون لأول مرة حالة مريضة لا يتطابق وقت نومها الفعلي مع تقديرها الشخصي، وأطلقوا عليها آنذاك مصطلح “الأرق الكاذب”، مرجعين السبب إلى قلقها المفرط بشأن النوم، ومنذ ذلك الحين، تأكد للباحثين أن شكاوى المصابين بالأرق لا تعكس دائمًا حقيقة ما يحدث لأدمغتهم أثناء الليل، ورغم عدم وجود تقدير دقيق لمدى انتشار الأرق المتناقض بسبب تعدد مسمياته، إلا أنه ليس نادرًا؛ إذ تشير التقارير إلى أن حوالي نصف المصابين بالأرق ينامون فعليًا أكثر من ست ساعات ليلاً، وهي مدة تضاهي نوم الأصحاء.
فهم أسباب الأرق المتناقض والفئات الأكثر تأثراً به
تكمن أسباب الأرق المتناقض في الفجوة بين تعريف النوم علميًا والشعور به شخصيًا، فبينما يحدد الباحثون النوم بفقدان الوعي بالعالم الخارجي وتحول موجات الدماغ إلى ترددات منخفضة، يبدو أن دماغ المصاب بهذه الحالة يحتفظ بمستوى من النشاط الشبيه باليقظة حتى أثناء النوم، ويعتقد الخبراء أن تقنيات المراقبة القياسية قد لا تكون حساسة بما يكفي لرصد هذا النشاط الدماغي الخفي الذي يفسر شعور الشخص بأنه كان مستيقظًا، فهم يبدون نائمين من الخارج، لكن أدمغتهم تظهر علامات يقظة دقيقة، ولهذا السبب، يتجه المتخصصون الآن لاستخدام مصطلح “التباين الذاتي-الموضوعي في النوم” (SOSD) لوصف الحالة بدقة أكبر.
ويميل الأشخاص الذين يعانون من الأرق المتناقض إلى الاعتقاد الخاطئ بأنهم مستيقظون لفترات طويلة، خاصة بعد أول ساعتين من محاولة النوم، كما أنهم أكثر عرضة للإبلاغ عن شعورهم باليقظة خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM)، على عكس الأفراد الذين ينامون جيدًا، وهناك خصائص معينة تجعل بعض الأفراد أكثر عرضة لهذه الحالة:
- الذين لديهم ميل للقلق المفرط تجاه جودة نومهم.
- الأشخاص الذين يراقبون حالتهم الجسدية والعقلية بشكل دائم أثناء محاولة النوم.
- الأفراد الذين يبلغون عن استيقاظهم بشكل متكرر حتى عندما تظهر البيانات أنهم كانوا نائمين.
| تصور المريض المصاب بالأرق المتناقض | البيانات الموضوعية (تخطيط الدماغ) |
|---|---|
| “لم أنم طوال الليل” أو “نمت لساعة واحدة فقط” | يظهر نومًا عميقًا وموجات دماغية بطيئة ومراحل نوم طبيعية |
| الشعور باليقظة الكاملة وعدم الراحة عند الاستيقاظ | تسجيل فترات نوم كافية، بما في ذلك نوم حركة العين السريعة |
استراتيجيات علاج الأرق المتناقض: من العلاج السلوكي إلى القصد المعاكس
يعتبر العلاج السلوكي المعرفي للأرق (CBT-I) أحد أكثر الطرق فعالية ومثبتة علميًا في تحسين عادات النوم بشكل عام، ويبدو أنه يقدم مساعدة كبيرة للأشخاص الذين يعانون من الأرق المتناقض بشكل خاص، حيث أظهرت دراسات حديثة أن هذا النوع من العلاج يمكن أن يحسن بشكل كبير المشاكل المتعلقة بالتباين الذاتي-الموضوعي في النوم، فهو لا يركز فقط على تحسين مدة النوم، بل يهدف إلى تغيير المعتقدات والمخاوف الخاطئة المرتبطة بالنوم، مما يساعد المريض على إعادة بناء ثقته في قدرته على النوم المريح.
وإلى جانب العلاج السلوكي، توجد أداة أخرى فعالة في علاج الأرق المتناقض وهي استراتيجية “القصد المتناقض”، التي تقوم على فكرة بسيطة لكنها قوية؛ فهي تشجع الأشخاص الذين يعانون من صعوبة النوم على التوقف عن المحاولة الجاهدة والمفرطة للنوم، وبدلاً من ذلك، يتم توجيههم لمحاولة البقاء مستيقظين بهدوء في السرير، وهذا الأسلوب يقلل من القلق المرتبط بالأداء ويزيل الضغط النفسي المصاحب لمحاولة إجبار النفس على النوم.
