في خطوة استباقية.. لقاح تجريبي يستهدف أنفلونزا الطيور قبل تحولها إلى جائحة بشرية.

في خطوة استباقية.. لقاح تجريبي يستهدف أنفلونزا الطيور قبل تحولها إلى جائحة بشرية.

لقاح شامل لأنفلونزا الطيور بجرعة واحدة قد يمثل نقطة تحول في معركتنا ضد الأوبئة المستقبلية، حيث كشف باحثون في جامعة إيراسموس الهولندية عن تطوير لقاح تجريبي مبتكر قادر على توفير حماية واسعة النطاق ضد جميع سلالات فيروس (A5) المعروفة، بل وحتى تلك التي لم تظهر بعد، مما يبشر بعصر جديد من الوقاية الاستباقية بدلاً من ردود الفعل المتأخرة.

يشكل فيروس أنفلونزا الطيور (A5) شديد الإمراض تهديداً صحياً عالمياً متزايداً، فقد أثبت قدرته على إصابة الطيور والدواجن والأبقار الحلوب، والأخطر من ذلك، انتقاله إلى البشر مسبباً أمراضاً تنفسية حادة ومعدلات وفيات مرتفعة، والمشكلة الحالية تكمن في أن دفاعاتنا تعتمد على استراتيجية انتظار ظهور سلالة جديدة ثم تطوير لقاح خاص بها، وهي عملية بطيئة وتفاعلية تترك فجوة زمنية حرجة تعرض البشر للخطر في المراحل الأولى من أي تفشٍ محتمل، لكن يبدو أن هذا النهج على وشك التغير بفضل فكرة اللقاح الشامل لأنفلونزا الطيور بجرعة واحدة.

كيف يعمل اللقاح الشامل لأنفلونزا الطيور بجرعة واحدة؟

نشر فريق البحث الهولندي بقيادة ماتيلد روشارد تفاصيل اكتشافهم في مجلة “Nature” العلمية المرموقة، حيث شرحوا كيف ابتكروا طريقة لتصميم لقاح يستهدف عائلة الفيروس بأكملها بدلاً من التركيز على سلالة واحدة، فبدلاً من الأسلوب التقليدي، قام الفريق بإنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة لتطور بروتين هيماغلوتينين (H5)HA على مدار عقود، مما سمح لهم برؤية الصورة الكاملة للتاريخ الجيني للفيروس وتنوع سلالاته المختلفة بوضوح غير مسبوق، وهذه الخريطة كانت حجر الأساس في تصميم اللقاح الشامل لأنفلونزا الطيور بجرعة واحدة.

  • **التحليل التاريخي:** تتبع التغيرات التي طرأت على البروتين الفيروسي عبر الزمن.
  • **التصميم المركزي:** إنشاء بروتين HA جديد يمثل “متوسطاً” لجميع السلالات المعروفة والمتوقعة.
  • **الاستجابة المناعية الواسعة:** تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج أجسام مضادة متنوعة قادرة على التعرف على عدد كبير من السلالات.

وبناءً على هذه الخريطة المفصلة، لم يختر الباحثون مستضداً موجوداً بالفعل (وهو المادة التي تثير استجابة الجهاز المناعي)، بل صمموا بروتيناً جديداً مركزياً من الناحية المستضدية، وهو بروتين مهندس ليكون الأقرب جينياً إلى جميع السلالات المعروفة وبعض السلالات المستقبلية المحتملة، والفكرة تكمن في أنه عند تعريض الجهاز المناعي لهذا المستضد المركزي، يتعلم الجسم إنتاج مجموعة واسعة ومتنوعة من الأجسام المضادة، مما يمنحه القدرة على محاربة أي عدوى مستقبلية من عائلة (A5) بكفاءة عالية.

نتائج مبشرة: هل يغير اللقاح الشامل لأنفلونزا الطيور قواعد اللعبة؟

للتأكد من فعالية هذا النهج المبتكر، اختبر الفريق اللقاح على حيوانات النمس، والتي تعتبر النموذج الحيواني الأمثل لدراسات الأنفلونزا نظراً لتشابه جهازها التنفسي مع البشر، وكانت النتائج مشجعة للغاية، حيث أظهر اللقاح الشامل لأنفلونزا الطيور قدرته على توفير حماية واسعة ضد سلالات H5 مختلفة ومتباعدة جينياً، وبنفس فعالية اللقاحات التقليدية المخصصة لكل سلالة على حدة، والأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أن اللقاح أثبت فعاليته حتى ضد فيروسين لم يكونا ضمن مكونات التصميم الأصلي، مما يؤكد قدرته الاستباقية على التعامل مع متغيرات غير متوقعة.

الخاصية اللقاحات الحالية
الاستراتيجية تفاعلية (تنتظر ظهور السلالة)
نطاق الحماية ضيق (سلالة محددة)

مستقبل الوقاية: ما الخطوات التالية لتوفير لقاح شامل لأنفلونزا الطيور؟

أكد الباحثون أن هذا الإنجاز يعد “دليلاً على المفهوم” الذي يثبت نجاح استراتيجية تصميم اللقاحات المركزية المستضدية باستخدام الخرائط الجينية، وهي مقاربة يمكن تطبيقها مستقبلاً على فيروسات الأنفلونزا الحيوانية الأخرى التي تهدد بالانتقال إلى البشر، ومع أن هذه النتائج واعدة جداً، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن يصبح اللقاح الشامل لأنفلونزا الطيور بجرعة واحدة متاحاً للجميع، فالخطوة التالية الحاسمة هي الانتقال إلى الدراسات السريرية البشرية للتأكد من سلامة اللقاح وفعاليته لدى الإنسان.

في حال نجاح هذه التجارب، فإن هذا النهج الذكي لن يوفر أداة قوية ضد أنفلونزا الطيور فحسب، بل سيفتح الباب أمام تطوير جيل جديد من اللقاحات الشاملة القادرة على حمايتنا من تهديدات فيروسية خطيرة أخرى، مما يمنح البشرية درعاً قوياً في مواجهة الأوبئة القادمة.

كاتبة صحفية متخصصة في مجال التكنولوجيا، تتابع أحدث الابتكارات الرقمية وتبسط المعلومات للقارئ بأسلوب واضح وسهل الفهم.