اليوم العالمي لمكافحة الفساد يمثل مناسبة دولية مهمة لتسليط الضوء على جهود مصر في بناء منظومة متكاملة تجمع بين النزاهة والشفافية، وذلك من خلال تاريخ طويل في مواجهة الرشوة والتزوير وإهدار المال العام؛ إذ لعبت كل من الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية دورًا محوريًا في ضمان تطبيق القوانين وتشديد الرقابة، بالإضافة إلى سن تشريعات تُجفف منابع الفساد وتعزز من مكافحة الظاهرة على المستويين المحلي والدولي.
اليوم العالمي لمكافحة الفساد ودور مصر في تعزيز منظومة النزاهة
في التاسع من ديسمبر من كل عام يظهر اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي أقرته الأمم المتحدة تبعًا لاتفاقية مكافحة الفساد التي تم اعتمادها عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ عام 2005، كحدث سنوي لتذكير الشعوب بأهمية بناء منظومة متينة للنزاهة. تُعد مصر من الدول التي استجابت لتلك النداءات على أرض الواقع من خلال جهودها المتواصلة في إعداد إطار تشريعي ورقابي شامل، يهدف إلى الحد من الفساد وتأثيره المدمر على موارد الدولة وتقديم الخدمات. فقد استطاعت على مدار سنوات مضت أن ترفع من مستوى الشفافية، وتعمل على تقليص نقاط الضعف التي يستغلها الفساد فيما يتعلق بإهدار المال العام والتلاعب.
منظومة الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية في مواجهة الفساد بمصر
تمتلك مصر منظومة رقابية راسخة تعود جذورها إلى منتصف القرن الماضي، حيث تأسست النيابة الإدارية والرقابة الإدارية لتعزيز نزاهة الجهاز الإداري للدولة، وقد تطورت تلك المنظومة عبر السنوات حتى وصلت إلى الهيئة المستقلة للرقابة الإدارية، التي تأسست وفقًا لقانون رقم 54 لسنة 1964، معززة مكانتها بدستور 2014 الذي كفل لها الاستقلال الفني والمالي. تختص الهيئة بالكشف عن أوجه القصور الإداري والمالي وضبط الجرائم المرتبطة بالوظيفة العامة، إضافةً إلى دراسة شكاوى المواطنين ومتابعة تقارير الصحافة حول قضايا الفساد.
توسعت صلاحيات الهيئة بالقانون 207 لسنة 2017 لتشمل:
- ضبط جرائم استغلال النفوذ واستهداف المصلحين.
- مكافحة الاتجار بالبشر وزرع الأعضاء غير الشرعي.
- ملاحقة الجرائم المتعلقة بالنقد الأجنبي وغسل الأموال.
- وضع الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد وتطبيقها.
- نشر قيم النزاهة وتوعية المجتمع بمخاطره.
أما النيابة الإدارية فتتولى مهام القضاء التأديبي، حيث تحقق في الجرائم التأديبية التي تقع ضمن نطاق الجهاز الإداري، وتتمتع بصلاحيات توقيع الجزاءات التأديبية أو إحالة المخالفين للمحاكم المختصة، كما تتحرك قضائيًا عند ظهور شبهة جرائم جنائية. ولا يقتصر اختصاص النيابة على فئة بعينها، بل يشمل جميع موظفي الدولة والعاملين في الوزارات والهيئات العامة والقطاعات ذات الميزانيات المستقلة.
مصر والاتفاقيات الدولية: تعزيز التعاون العالمي لمكافحة الفساد
تؤمن مصر بأهمية اليوم العالمي لمكافحة الفساد كأداة محورية لتعزيز الشفافية على المستوى الدولي، فبعد التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أصبحت قضية التعاطي مع هذه الظاهرة خارج نطاق الشأن المحلي فقط، بل تحمل أبعادًا أمنية واقتصادية عميقة. كما أن مشاركة مصر الفعالة في هذا الإطار تُعزز من تنسيق الجهود العربية والدولية لمكافحة الجرائم العابرة للحدود، خاصة مع التحديات التي ظهرت بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو. يُعد النهج الشامل الذي انتهجته مصر، والذي يشمل بناء منظومة قانونية ورقابية قوية، نقطة انطلاق حقيقية نحو نظام متين يعزز النزاهة ويساهم في تنمية مستدامة للبلاد.
