43 يومًا من الصوم النباتي.. الكنيسة الأرثوذكسية تبدأ صوم الميلاد 25 نوفمبر.

43 يومًا من الصوم النباتي.. الكنيسة الأرثوذكسية تبدأ صوم الميلاد 25 نوفمبر.

صوم الميلاد المجيد بالكنيسة الأرثوذكسية يمثل رحلة روحية عميقة ومقدسة، حيث تنطلق هذه الفترة المباركة في 25 نوفمبر من كل عام لتستمر على مدار 43 يومًا متواصلة، وتتوج بالاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح في السابع من يناير وفقًا للتقويم الشرقي؛ فهذا الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو فترة تأمل وتوبة واستعداد قلبي لاستقبال حدث التجسد الإلهي العظيم.

ما هو الأصل التاريخي لصوم الميلاد المجيد بالكنيسة الأرثوذكسية ومدته؟

يعود التقليد الكنسي العريق في تحديد مدة الصوم إلى أسس روحية وتاريخية راسخة، فالكنيسة تصوم الأربعين يومًا الأولى اقتداءً بالنبي موسى الذي صام على الجبل قبل أن يتسلم لوحي الشريعة، مما يمنح الصوم بعدًا تسليميًا وعهديًا عميقًا؛ وتُضاف إلى هذه المدة ثلاثة أيام أخرى لها مكانة خاصة في الوجدان القبطي، وهي تذكار لمعجزة نقل جبل المقطم التي جرت في القرن العاشر الميلادي خلال حبرية البابا أبرآم بن زرعة السرياني، وارتبطت بقديس عظيم هو سمعان الخراز، وبذلك اكتملت مدة صوم الميلاد المجيد ليصبح 43 يومًا، ويتميز هذا الصوم بكونه من أصوام الدرجة الثانية، حيث تسمح الكنيسة بتناول الأسماك في معظم أيامه ما عدا يومي الأربعاء والجمعة، وذلك للتخفيف على المؤمنين نظرًا لطول مدته وتكرار الأصوام على مدار العام الليتورجي.

الأبعاد الروحية والطقسية في صوم الميلاد المجيد

لا يقتصر مفهوم صوم الميلاد المجيد على البعد الجسدي المتمثل في الامتناع عن أطعمة معينة، بل هو في جوهره دعوة صادقة للعودة إلى الله من خلال التوبة النصوحة والتواضع وممارسة الأسرار الكنسية المقدسة، وعلى رأسها سر الاعتراف الذي يمثل تنقية للنفس وسر التناول الذي يوحد المؤمن بالمسيح؛ وخلال هذه الفترة الروحانية، تتحول الكنائس إلى منارات للصلاة والتسبيح، حيث تُكثف القداسات اليومية وتُرتل الألحان الفرايحية الخاصة التي تتدرج بالمؤمنين نحو فرحة الميلاد، كما أنها فرصة للتأمل في سر التجسد العظيم، وكيف تنازل الله عن مجده ليولد في مذود بسيط من أجل خلاص البشرية وفدائها، وهو ما يمثل ذروة المحبة الإلهية.

البيان التفصيل
تاريخ البدء الاثنين 25 نوفمبر
تاريخ الانتهاء الثلاثاء 7 يناير (عيد الميلاد المجيد)
مدة الصوم 43 يومًا كاملة

كيف تستعد الكنيسة القبطية لصوم الميلاد المجيد؟

مع اقتراب هذا الموسم الروحي، تبدأ الكنائس القبطية الأرثوذكسية في جميع الإيبارشيات داخل مصر وخارجها استعداداتها المكثفة، حيث يتم تنظيم اجتماعات روحية ونهضات تهدف إلى تعميق الفهم اللاهوتي للصوم، مع إعداد القراءات الكنسية اليومية التي ترافق المؤمنين طوال هذه الفترة؛ وتُقام القداسات الصباحية بانتظام، كما تفتح الكنائس أبوابها أمام أبنائها لممارسة سر الاعتراف، وتدعو الكنيسة شعبها إلى تحويل الصوم إلى حياة متكاملة من النعمة والنسك الروحي، وذلك من خلال التركيز على التوبة الصادقة، وخدمة المحتاجين، وتحقيق المصالحة مع الله ومع الآخرين، فبعيدًا عن الطقوس، يعتبر صوم الميلاد المجيد موسمًا حيويًا لتجديد الإيمان في قلب المجتمع القبطي، فهو لا يقتصر على الرهبان والكهنة، بل تشارك فيه الأسرة القبطية بأكملها لتعيش ميلادًا جديدًا في حياتها الروحية.

تحمل الأسماك التي يُسمح بتناولها خلال صوم الميلاد المجيد رموزًا لاهوتية غنية في الفكر المسيحي، فهي ليست مجرد بديل غذائي، بل هي تذكير دائم بمعجزات السيد المسيح الكثيرة المرتبطة بالسمك، مثل معجزة إشباع الجموع بخمس خبزات وسمكتين، ومعجزة صيد السمك الوفير التي أظهرت سلطانه الإلهي على الطبيعة؛ كما ترمز الأسماك إلى الحياة الروحية، وقد استخدمها المسيحيون الأوائل كعلامة سرية للتعارف فيما بينهم خلال عصور الاضطهاد الروماني، وهذا يعطي لتناولها بعدًا أعمق من مجرد كونه تخفيفًا نسكيًا.

  • نوع الصوم: من الدرجة الثانية، مما يسمح بمرونة أكبر.
  • الأطعمة المسموحة: يُسمح بتناول الأسماك في جميع الأيام باستثناء يومي الأربعاء والجمعة.
  • الرمز الطقسي: تتميز هذه الفترة بالألحان الفرايحية التي تعبر عن الترقب والفرح بالتجسد الإلهي.
  • الشعار الروحي: يرتكز الصوم على محورين أساسيين هما التوبة القلبية والفرح بقدوم المخلص.

يكتسب الصوم اهتمامًا متزايدًا لدى الأجيال الجديدة، إذ تحرص الكنائس على ابتكار برامج روحية معاصرة ومبسطة تستهدف الأسر والشباب، وتهدف هذه البرامج إلى شرح معاني التجسد والفداء بلغة تتناسب مع العصر، مما يعزز الارتباط الوثيق بين العقيدة الراسخة وتحديات الحياة اليومية، ويجعل من صوم الميلاد المجيد فرصة حقيقية للنمو الروحي لجميع أفراد الكنيسة.

كاتب صحفي يهتم بتقديم الأخبار والتقارير بشكل مبسط وواضح، مع متابعة مستمرة للتفاصيل وتقديم المعلومة للقارئ بصورة دقيقة وسريعة.