تمثل عودة نظام الفصلين الدراسيين في السعودية خطوة استراتيجية جديدة أقرتها القيادة الرشيدة، حيث تستعد مدارس التعليم العام لتطبيق هذا التغيير ابتداءً من العام الدراسي المقبل 2025-2026 بعد أربعة أعوام من تطبيق نظام الفصول الثلاثة؛ ويأتي هذا القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ليؤكد على التطوير المستمر للمنظومة التعليمية، مع المحافظة على الإطار الزمني العام المعتمد للسنوات الأربع القادمة.
رحبت وزارة التعليم بهذا القرار الذي جاء نتيجة دراسة معمقة للمكتسبات التي تحققت خلال فترة تطبيق نظام الفصول الثلاثة، والذي نجح في ترسيخ معيار الحد الأدنى لعدد أيام الدراسة عند 180 يومًا سنويًا، وهو ما يتوافق مع المعدلات العالمية في الدول المتقدمة تعليميًا حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)؛ وقد أظهرت التجربة السابقة أن زيادة عدد الأيام الدراسية ساهم في استمرارية العملية التعليمية وتوفير مساحة أوسع لتنويع الأنشطة اللاصفية، لكن التقييمات الدورية أظهرت ضرورة إحداث تعديلات تضمن تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للطلاب والمعلمين على حد سواء.
أسباب عودة نظام الفصلين الدراسيين في السعودية بعد تقييم شامل
جاء قرار عودة نظام الفصلين الدراسيين في السعودية بعد دراسة شاملة أجرتها الوزارة بمشاركة واسعة من الخبراء التربويين والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور، حيث خلصت الدراسة إلى أن جودة التعليم لا ترتبط مباشرة بعدد الفصول الدراسية، بل تتوقف على عناصر جوهرية أخرى أكثر تأثيرًا؛ وتشمل هذه العناصر تأهيل المعلم وتحفيزه، وتطوير المناهج الدراسية، وتعزيز البيئة المدرسية، بالإضافة إلى رفع مستوى الحوكمة والتحول المؤسسي، مع منح المدارس صلاحيات أكبر لتكون النواة الحقيقية للتغيير.
وكان مجلس الشورى قد لعب دورًا محوريًا في إعادة تقييم التجربة، حيث طرح تساؤلات المواطنين حول أثر نظام الفصول الثلاثة في جلسة استضافت وزير التعليم يوسف البنيان في مايو 2024، وأكد الوزير حينها أن الوزارة تعمل على تقييم التجربة وفق أسس علمية وتربوية بالشراكة مع جميع الأطراف ذات العلاقة، بناءً على تكليف من المقام السامي لدراسة التأثيرات الإيجابية والتحديات، وهو ما مهد الطريق نحو قرار العودة إلى نظام الفصلين الدراسيين في السعودية.
كيف يعزز نظام الفصلين الدراسيين جودة المخرجات التعليمية؟
يوضح الدكتور عثمان الشقيفي، الباحث في الإدارة التربوية، أن رؤية المملكة 2030 تولي اهتمامًا كبيرًا بالمؤشرات الدولية المعتمدة، مثل مؤشر “الزمن التعليمي المقصود”، والذي يحدد متوسط الأيام الدراسية سنويًا عند 180 يومًا؛ ومن منظور أكاديمي، يمكن تقسيم الدوافع الرئيسية وراء التحول نحو نظام الفصلين الدراسيين إلى محاور متعددة تسهم جميعها في تحسين جودة المخرجات التعليمية، وهذه المحاور هي:
- تخفيف العبء الدراسي على كامل المنظومة التعليمية، مما يمنح وقتًا كافيًا لعمليات التخطيط وضبط الجودة.
- التركيز على عمق المخرجات المعرفية بتقليص ضغط الاختبارات المتكررة وإتاحة فرصة أكبر للبحث الاستقصائي.
- تحسين جودة الحياة المدرسية للطلاب عبر تنظيم الإجازات بشكل يساهم في استعادة نشاطهم الذهني والبدني.
- تعزيز التحصيل الدراسي وفقًا لنظرية الحمل المعرفي، التي ترى أن تقليل ازدحام المعلومات يعزز قدرة الطالب على معالجتها بفعالية.
ويضيف الشقيفي أن تطبيق نظام الفصلين الدراسيين في السعودية يتيح للطالب فرصة أوسع لاكتساب مهارات التفكير الناقد والإبداعي، ويعزز من قدرته على حل المشكلات والتطبيق العملي للمفاهيم، وهو ما يتوافق مع مبادئ علم النفس التربوي الحديثة مثل تصنيف بلوم للأهداف التعليمية.
مرونة التقويم الدراسي ودورها في تطبيق نظام الفصلين
أكدت وزارة التعليم أن عودة نظام الفصلين الدراسيين في السعودية ستصاحبها مرونة عالية في التطبيق، حيث سيتم الحفاظ على التنوع في بعض المدارس والمؤسسات الحكومية والخاصة؛ ويشمل ذلك مدارس التعليم الخاص والعالمية، والجامعات، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، والتي ستحتفظ بصلاحية تحديد النظام الدراسي الأنسب لها بما يتوافق مع طبيعة برامجها الأكاديمية والتدريبية، وهذا التوجه يدعم منظومة تعليمية مرنة تستجيب للاحتياجات المختلفة.
كما تم منح صلاحيات خاصة لإدارات التعليم في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومحافظتي جدة والطائف، لمراعاة المتطلبات الخاصة بمواسم الحج والعمرة والزيارة، مما يضمن تحقيق التكامل مع الجهات الحكومية الأخرى وتنشيط الأعمال المجتمعية في هذه المناطق الحيوية؛ وتستعد المدارس السعودية الآن لانطلاق العام الدراسي الجديد بالنظام النصفي يوم الأحد 1 ربيع الأول 1447 هـ، الموافق 24 أغسطس الحالي، وفقًا للخريطة الزمنية التي أقرها مجلس الوزراء للأعوام الخمسة المقبلة.
يأتي هذا التحول في إطار المنهج الإصلاحي لرؤية 2030، وتحديدًا ضمن برنامج تنمية القدرات البشرية الذي يهدف إلى تأهيل مواطن سعودي منافس عالميًا، حيث يعتمد البرنامج على منظومة تعليمية ترتكز على الكفاءة وجودة المخرجات بدلًا من الاكتفاء بالشكل التنظيمي التقليدي.
يُؤمل أن يحقق اعتماد نظام الفصلين الدراسيين توازنًا أفضل بين الزمن التعليمي والجودة الأكاديمية، بما يتماشى مع أهداف المملكة في الارتقاء بمستوى التعليم وتنمية مهارات جيل قادر على الابتكار والمنافسة إقليميًا ودوليًا.
