نوبات القيء المفاجئة: حين يكون الاضطراب في الأعصاب وليس المعدة

نوبات القيء المفاجئة: حين يكون الاضطراب في الأعصاب وليس المعدة

متلازمة القيء الدوري هي لغز طبي محير يبدأ بشعور خفيف بالغثيان في الصباح، ليتحول سريعًا إلى نوبات قيء متكررة لا يمكن السيطرة عليها، وهذا الاضطراب العصبي لا يرتبط بالطعام أو العدوى، بل بخلل في منظومة الأعصاب التي تربط الدماغ بالمعدة، مما يجعلها حالة تصيب الأطفال والبالغين على حد سواء بنوبات مفاجئة يليها تعافٍ كامل، حيث تبدأ غالبًا في الطفولة بين سن الثالثة والسابعة وقد تستمر حتى البلوغ.

ما هي طبيعة متلازمة القيء الدوري وكيف تربط الدماغ بالمعدة؟

يشير الخبراء إلى أن متلازمة القيء الدوري ليست مشكلة في الجهاز الهضمي بحد ذاتها، بل هي خلل وظيفي في محور الاتصال بين الدماغ والأمعاء، وهو المسار العصبي الحيوي الذي ينقل الإشارات بينهما؛ فعندما يتعرض هذا الاتصال للاضطراب، يبدأ الدماغ بإرسال أوامر متكررة وغير مبررة للمعدة بالتقلص، حتى في غياب أي طعام أو سبب مرضي واضح، وهو ما يؤدي إلى موجات قيء متتابعة وشديدة، وتلعب الدراسات دورًا في إظهار أن الجهاز العصبي اللاإرادي، الذي يتحكم في العمليات الحيوية اللاإرادية كالتنفس وضغط الدم، هو لاعب رئيسي في هذا الخلل، حيث تؤدي اضطراباته إلى زيادة حساسية المعدة للمنبهات المختلفة فتستجيب بشكل مفرط وغير متوقع.

أبرز أسباب وأعراض متلازمة القيء الدوري

تتشابه نوبات هذه الحالة المرضية لدى المريض نفسه من حيث النمط والمدة والتوقيت، لكنها تختلف بشكل جذري من شخص لآخر، حيث يعاني بعض الأطفال من القيء في ساعات الصباح الباكر، بينما تظهر الأعراض لدى البالغين في أوقات متنوعة من اليوم، وتبدأ النوبة عادةً بمرحلة إنذار تشمل شعورًا مسبقًا بالغثيان والتعرق والدوار، تليها مرحلة القيء العنيف الذي قد يتكرر عشرات المرات في اليوم، ثم فترة تعافٍ يعود فيها المصاب إلى حالته الطبيعية، ومن الأعراض المصاحبة الأخرى آلام البطن، والصداع الحاد، والدوخة، وفقدان الشهية، وشحوب الجلد نتيجة الجفاف.

المرحلة أبرز الأعراض
مرحلة الإنذار (Prodrome) الشعور بالغثيان، التعرق، الدوار، وشحوب الوجه
مرحلة القيء (Emetic Phase) نوبات قيء شديدة ومتكررة، آلام في البطن، وصداع
مرحلة التعافي (Recovery Phase) توقف القيء، عودة الشهية، واستعادة النشاط تدريجيًا

لا يوجد سبب واحد مباشر للإصابة بمتلازمة القيء الدوري، لكن الأبحاث تربطها بعوامل متعددة ومتشابكة، أبرزها ما يلي:

  • اضطرابات في وظيفة الميتوكوندريا، وهي المسؤولة عن إنتاج الطاقة داخل الخلايا العصبية.
  • وجود تاريخ عائلي للإصابة بالصداع النصفي، حيث يعتقد أن هناك مسارات عصبية مشتركة بين الحالتين.
  • المحفزات النفسية مثل التوتر الشديد، القلق، أو حتى الإثارة المفرطة التي تعتبر شائعة لدى الأطفال والبالغين.
  • تناول أطعمة معينة مثل تلك الغنية بالكافيين، الشوكولاتة، الجبن المعتق، أو التي تحتوي على مادة الغلوتامات أحادية الصوديوم.

كما أن عوامل أخرى مثل قلة النوم، والإرهاق الجسدي، والعدوى الفيروسية قد تساهم بشكل كبير في تحفيز نوبات القيء الدوري وتكرارها.

كيف يتم تشخيص وعلاج متلازمة القيء الدوري؟

يعتمد تشخيص متلازمة القيء الدوري بشكل أساسي على استبعاد كافة الأسباب المحتملة الأخرى للقيء، مثل القرحة الهضمية، والتهابات الجهاز الهضمي، وأمراض الكبد أو البنكرياس، ويبدأ الطبيب بمراجعة شاملة للتاريخ المرضي للمصاب وعائلته، ثم يطلب سلسلة من الفحوصات الضرورية التي تشمل تحاليل الدم والبول، بالإضافة إلى التصوير الطبي للبطن باستخدام الموجات فوق الصوتية أو الرنين المغناطيسي، وقد يلجأ أحيانًا لإجراء منظار علوي للمعدة لاستبعاد أي مشكلات عضوية، ولا يوجد اختبار واحد محدد يمكنه تأكيد التشخيص بشكل قاطع، لكن النمط المتكرر للنوبات واستجابة المريض للعلاجات المقترحة توجه الطبيب نحو هذا الاحتمال بقوة.

أما استراتيجية العلاج فتعتمد على مرحلتين أساسيتين، وهما التعامل الفوري مع النوبة عند حدوثها، ثم العمل على الوقاية لمنع تكرارها مستقبلًا، فخلال النوبة، ينصح المريض بالبقاء في مكان هادئ ومظلم لتقليل أي تحفيز عصبي، مع تناول أدوية مضادة للغثيان وأخرى مخفضة لحمض المعدة، وفي الحالات الشديدة، يصبح من الضروري تعويض السوائل عن طريق الوريد في المستشفى لتجنب مخاطر الجفاف، وقد يصف الطبيب أدوية مضادة للصرع أو الصداع النصفي للحد من شدة الهجمات، بينما تركز مرحلة الوقاية على تحديد وتجنب المحفزات المعروفة، والحفاظ على نمط نوم منتظم، وتجنب الصيام الطويل أو الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية، مع اعتماد نظام غذائي قائم على وجبات صغيرة ومتكررة.

ورغم أن متلازمة القيء الدوري قد تستمر لسنوات، فإن العديد من الأطفال يتجاوزونها مع التقدم في العمر، ويؤكد الأطباء أن التعاون الوثيق مع الفريق الطبي والمتابعة الدقيقة للأعراض وتدوين المحفزات اليومية يمثل حجر الزاوية في السيطرة على نوبات هذا الاضطراب وتقليل تأثيره على جودة الحياة.

كاتبة صحفية متخصصة في مجال التكنولوجيا، تتابع أحدث الابتكارات الرقمية وتبسط المعلومات للقارئ بأسلوب واضح وسهل الفهم.