خلايا دماغية مكتشفة حديثًا قد تكون خط الدفاع الأول ضد مرض الفصام.

خلايا دماغية مكتشفة حديثًا قد تكون خط الدفاع الأول ضد مرض الفصام.

إن سبب ظهور أعراض الفصام في سن متأخر ظل لغزًا علميًا لسنوات طويلة، خاصةً وأن التغيرات الجينية المسببة له تكون موجودة منذ فترة ما قبل الولادة؛ إلا أن دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة كوبنهاجن بالدنمارك قد كشفت عن دور نوع محدد من خلايا الدماغ في هذا الظهور المتأخر، حيث أوضحت أن فرط نشاط مجموعة صغيرة من الخلايا العصبية يسبب اضطرابات واسعة تمهد الطريق لظهور أعراض المرض.

ما هو سبب ظهور أعراض الفصام في سن متأخر رغم وجود الجينات؟

لقد حير العلماء طويلاً سؤال حول سبب عدم ظهور أعراض الفصام خلال الطفولة على الرغم من أن العوامل الوراثية تكون حاضرة منذ الولادة، ويبدو أن باحثي كوبنهاجن قد وجدوا تفسيرًا جديدًا لهذا اللغز المحير، فالفصام لا ينشأ فقط نتيجة خلل جيني مباشر، بل هو نتاج تفاعل معقد بين الجينات وعملية نمو الدماغ وتطوره عبر السنين؛ فالدماغ يمتلك قدرة مذهلة على التكيف مع الأخطاء التطورية خلال السنوات الأولى من العمر، لكنه يفقد هذه المرونة في مرحلة لاحقة، وهو ما يفسر أن سبب ظهور أعراض الفصام في سن متأخر يعود لهذه النقطة تحديدًا، حيث تبدأ الأعراض بالبروز بشكل واضح عندما يعجز الدماغ عن تعويض الخلل الجيني.

خلايا Sst_Chodl: هل هي سبب ظهور أعراض الفصام في سن متأخر؟

باستخدام تقنيات متطورة لتسلسل الحمض النووي الريبوزي، نجح الفريق العلمي في تحديد نوع دقيق من الخلايا العصبية يُعرف باسم خلايا Sst_Chodl، وهي جزء من عائلة الخلايا المسؤولة عن تنظيم النشاط الكهربائي داخل الدماغ؛ حيث تعمل هذه الخلايا كـ”مثبط” طبيعي يمنع فرط النشاط بين الخلايا العصبية الأخرى للحفاظ على توازن الشبكات العصبية، لكن الدراسة التي أجريت على فئران تحمل طفرة جينية مرتبطة بالفصام (الحذف المجهري 15q13.3) وجدت أن هذه الخلايا أصبحت مفرطة النشاط، وهو ما يفسر أن سبب ظهور أعراض الفصام في سن متأخر يرتبط مباشرة بهذا الخلل الذي يؤدي إلى اضطراب إيقاعات الدماغ واضطرابات النوم.

العامل المسبب (Causative Factor) التأثير على خلايا الدماغ (Effect on Brain Cells) النتيجة النهائية (Final Outcome)
طفرة جينية (الحذف 15q13.3) فرط نشاط خلايا Sst_Chodl المثبطة ظهور أعراض الفصام في سن متأخر

وقد ركزت الدراسة بشكل خاص على العلاقة الوثيقة بين اضطرابات النوم وظهور الأعراض النفسية، إذ لاحظ الباحثون أن الفئران التي عانت من فرط نشاط خلايا Sst_Chodl أظهرت نومًا متقطعًا وانخفاضًا ملحوظًا في نوم الموجة البطيئة، وهو النوع العميق من النوم الذي يساعد الدماغ على الراحة وإعادة تنظيم نفسه؛ وعندما قام العلماء بتهدئة نشاط هذه الخلايا مؤقتًا باستخدام تقنية الكيمياء الوراثية، كانت النتائج مذهلة، وهو ما يدعم أن هذا النشاط الزائد هو سبب ظهور أعراض الفصام في سن متأخر.

  • تحسن جودة نوم الفئران بشكل ملحوظ.
  • عادت إيقاعات موجات الدماغ إلى حالتها الطبيعية.
  • انخفضت علامات القلق واليقظة المفرطة لديها.

فهم سبب ظهور أعراض الفصام في سن متأخر يفتح بابًا لعلاجات جديدة

يشير البروفيسور كونستانتين خودوسيفيتش إلى أن هذا الكشف قد يفتح آفاقًا واعدة لتطوير علاجات أكثر دقة للمرض، تركز على استهداف أنواع محددة من الخلايا العصبية بدلًا من التأثير على كيمياء الدماغ بالكامل كما تفعل الأدوية الحالية؛ فالعلاجات المتاحة اليوم تخفف من الأعراض السلوكية دون أن تعالج جذور الخلل العصبي، لكن فهم سبب ظهور أعراض الفصام في سن متأخر بشكل دقيق يتيح للعلماء البحث عن السبب الجذري لتغير الإدراك والسلوك، مما يمهد الطريق لعلاج موجه وأكثر فعالية، وهو ما يعطي أملًا في إيجاد حلول جذرية.

تمتد أهمية هذه الدراسة إلى ما هو أبعد من الفصام، حيث يمكن تطبيق نتائجها على اضطرابات نفسية وعصبية أخرى مثل التوحد والاضطراب ثنائي القطب، فهي تقدم رؤية جديدة لكيفية بقاء التغيرات الجينية “صامتة” لسنوات قبل أن تبدأ في التأثير تدريجيًا على وظائف الدماغ؛ كما يشدد الباحثون على أن اضطراب النوم قد يصبح أداة تشخيصية مبكرة، لأنه قد يكون أول علامة على بدء خلل في نشاط الخلايا العصبية قبل ظهور الأعراض الكاملة.

إن هذه النتائج تبشر بإمكانية تطوير علاجات وقائية في المستقبل تعتمد على التدخل المبكر لتثبيت نشاط الخلايا العصبية المفرطة النشاط، مما قد يمنع تطور المرض بشكل نهائي لدى الأشخاص الذين يحملون الاستعداد الوراثي له.

كاتبة صحفية متخصصة في مجال التكنولوجيا، تتابع أحدث الابتكارات الرقمية وتبسط المعلومات للقارئ بأسلوب واضح وسهل الفهم.