تُعد المراحل التاريخية لنقل تمثال رمسيس الثاني ملحمة فريدة تروي قصة أحد أضخم الكنوز الأثرية في العالم، فهو لا يمثل فقط إرث الملك رمسيس الثاني، ثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشرة، بل يعكس أيضاً رحلة طويلة من الاكتشاف إلى الاستقرار النهائي، مروراً بتحديات هندسية وبيئية كبرى جعلت من كل خطوة في مسيرته حدثاً تاريخياً بحد ذاته.
تمثال رمسيس الثاني: قصة اكتشافه وأهميته قبل رحلة النقل التاريخية
بدأت حكاية هذا الأثر العظيم في عام 1820 عندما اكتشفه المستكشف الإيطالي جيوفاني باتيستا كافيجليا مبعثراً إلى ستة أجزاء في معبد ميت رهينة العظيم بالقرب من ممفيس، العاصمة المصرية القديمة، ومنذ تلك اللحظة أدرك العالم أنه أمام تحفة فنية تجسد قوة “الجد الأعظم”، وهو اللقب الذي أُطلق على رمسيس الثاني كأقوى فراعنة الإمبراطورية المصرية وأكثرهم شهرة، فالتمثال يروي قصة حكم امتد لنحو 66 عاماً من الانتصارات العسكرية، وأول معاهدة سلام في التاريخ، وإرث معماري لا يضاهى يشمل معابد ومسلات شامخة، كما يحمل التمثال مغزى رمزياً عميقاً؛ حيث كان يهدف إلى تأكيد مكانة الملك الإلهية وربطه بالإله آمون رع، ويظهر ذلك في تفاصيله الفنية التي تعكس صورة مثالية للملك بوجه شاب وجسد قوي كرمز للقوة والخلود.
ما هي المراحل التاريخية لنقل تمثال رمسيس الثاني؟
تعتبر المراحل التاريخية لنقل تمثال رمسيس الثاني شهادة على التزام مصر الحديثة بالحفاظ على تراثها، فقد خاض التمثال ثلاث رحلات كبرى شكلت مساره الحديث، حيث بدأت الرحلة الأولى في عام 1955 بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر، الذي رأى في نقل التمثال من ميت رهينة إلى قلب القاهرة في ميدان باب الحديد رمزاً يربط عظمة الماضي بنهضة الحاضر، ليتحول اسم الميدان إلى ميدان رمسيس، لكن مع مرور الزمن، بدأت الأضرار البيئية تهدد هذا الأثر الخالد، مما استدعى التفكير في رحلة إنقاذ، وهي ما تمثل المرحلة الثانية التي شهدت إحدى أبرز عمليات النقل في العصر الحديث.
| المرحلة | التاريخ | الوجهة | السبب أو الدلالة |
|---|---|---|---|
| النقل الأول | 1955 | من ميت رهينة إلى ميدان رمسيس | رمز حضاري ومعلم رئيسي في قلب العاصمة |
| النقل الثاني | 2006 | من ميدان رمسيس إلى هضبة الأهرام | حماية التمثال من التلوث والاهتزازات |
| النقل الثالث | 2018 | إلى البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير | الاستقرار النهائي كأيقونة لاستقبال الزوار |
الرحلة الأخيرة: كيف استقر تمثال رمسيس في المتحف الكبير؟
كانت الرحلة الثالثة والأخيرة في عام 2018 تتويجاً لكل المراحل التاريخية لنقل تمثال رمسيس الثاني، حيث تحرك التمثال في موكب مهيب ليأخذ مكانه الدائم في البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير، ولم تكن هذه العملية مجرد نقل؛ بل كانت ملحمة هندسية فائقة الدقة تم فيها استخدام أحدث التقنيات لضمان سلامة هذا الأثر الذي يزن 83 طناً، فمن خلال تفاصيل مواصفاته الفريدة، تم تصميم عملية النقل بعناية فائقة.
- المادة: الجرانيت الوردي (الأحمر) شديد الصلابة.
- الارتفاع: يبلغ طوله حوالي 11 إلى 12 متراً، مما يجعله تحدياً هندسياً.
- الوزن: يصل وزنه الإجمالي مع القاعدة إلى أكثر من 123 طناً.
- الشكل: هيئة الملك الواقف مرتدياً غطاء الرأس “النمس” ورمز الكوبرا “الصل”، وهي تفاصيل دقيقة تتطلب حماية خاصة.
استلزم الأمر استخدام أشعة الليزر لتحديد أبعاد التمثال بدقة، وتجهيز مركبة خاصة تسير على 128 عجلة موزعة على 16 محوراً لتوزيع الوزن الهائل بأمان، مع تغليف التمثال بطبقات حماية متخصصة والحفاظ عليه قائماً طوال الرحلة للحفاظ على استقراره، لتكتمل بذلك قصة المراحل التاريخية لنقل تمثال رمسيس الثاني.
يقف التمثال اليوم شامخاً في المتحف المصري الكبير كأول قطعة أثرية تستقبل الزوار، موصلاً رسالة خالدة بأن أعظم ملوك مصر القديمة هو من يرحب بضيوف حضارته، ليربط بذلك بين عظمة الماضي وتطلعات المستقبل في مشهد مهيب يليق بتاريخه العريق ورحلته الاستثنائية.
